الجمعة، 14 يوليو 2017

عبد الكريم قاسم - ثورة تموز ظروفها وتداعياتها

عبد الكريم قاسم - ثورة تموز ظروفها وتداعياتها  

عبد الكريم قاسم

ولد عبد الكريم قاسم في 21 ديسمبر/ كانون الأول 1914 المصادف يوم السبت خلال الحرب العالمية الأولى لعائلة فقيرة تسكن محلة المهدية وهي من أحد أحياء بغداد الشعبية الفقيرة تَقع في الجانب الأيسر من مدينة بغداد، ولأب مُسلم سني كان والده يعمل نجاراً وينتمي إلى عشيرة زبيد القحطانية، ولأم شيعية تُعرف بـ كيفية حسن يعقوب الساكني التي يرجع نسبها الى عشيرة التميم العدنانية، ولديه شقيقان هما حامد قاسم شقيقهُ الأكبر ولطيف قاسم شقيقه الأصغر، وله أختان هما أمينة زوجة ياسين محمد صالح القيسي، والذي شغل وظيفة رئيس كتاب محكمة الكاظمية، والثانية نجية زوجة ابن عمته اللواء عبد الجبار جواد، وقد انتقلت عائلته إلى قضاء الصويرة أحد أقضية محافظة واسط في جنوب العراق، وأمضى فيها أربع سنوات هُناك قبل أن تعود عائلته إلى بغداد سنة 1926، حيث أكمل عبد الكريم هُناك الإبتدائية، فلقد دخل مدرسة الرصافة الابتدائية، ثم دخل في المدرسة الثانوية المركزية بالفرع الأدبي وتخرج منها في عام 1931، واختار بعد تخرجه تم تعيينه معلما في إحدى قرى قضاء الشامية وقضى هناك سنة كاملة،
مسيرته العسكرية
دخل عبد الكريم إلى الكلية العسكرية عام 1932، حيث تَخرج منها بتفوق في 15 نيسان من عام 1934 ضابطاً برتبة ملازم ثانِ في الجيش، وتدرج في الرتب العسكرية حتى بلغ رتبة زعيم ركن (عميد ركن) وكان آخر مركز شغله في المؤسسة العسكرية هو آمر اللواء التاسع عشر وهو اللواء الذي شارك في ثورة 14 تموز عام 1958. اشترك في العديد من الحروب منها حركة الفرات الأولى من 11 مايس/ مارس إلى 29 تموز/يوليو عام 1935م، كما اشترك ضمن القيادة العربية لحركات مايس عام 1941 التحررية، واشترك في حركة برزان الثالثة ، وأشترك في حرب فلسطين من 5 مايس/ مايو، 1948، إلى 11 حزيران، 1949.
أما عن المناصب التي تولاها عبد الكريم في مسيرته فقد كان آمر فصيل في الفوج الثالث عام 1932 وفي 1937 كان آمر فصيل في الديوانية، وفي 1937 كان مُساعد في الفوج الثاني، وفي عام 1938 كان آمر فصيل في الكلية العسكرية، وفي عام 1940 كان مقدم لواء المشاة السابع وفي عام 1943 كان مقدم لواء مشاة الثالث، وفي عام 1945 كان آمر الفوج الثالث، وفي عام 1947 كان آمر لواء مشاة التاسع، وفي عام 1948 كان معاون مُدير إدارة الفرقة الثانية ومعاون مدير الإدارة للقوات العراقية، وكان آمر الفوج الثاني والأول للواء الأول في الأردن، وفي عام 1952 كان آمر زمرة التدريب في مقر وزارة الدفاع، وفي عام 1953 كان معاون مدير العينة، وفي عام 1953 تسلم منصب آمر اللواء التاسع عشر
حَصل عبد الكريم قاسم على العديد من الأنواط والأوسمة وكتب الشكر، ففي عام 1935 حصل على نوط الخدمة الفعلية،  وفي عام 1945 حصل على نوط الشجاعة ، وفي عام 1948 حصل على كتابان شكر في الأردن أثناء الهجوم على مواقع الإسرائيليين في رأس التل من نفس القائد لصده الهجوم الإسرائيلي واسترجاعه بعض المواقع، وفي عام 1953 حصل على وسام الرافدين من الدرجة الرابعة ومن النوع العسكري لشجاعته، وفي عام 1951 حصل على نوط الحرب والنصر ولنفس السبب. كذلك في عام 1954 حصل على وسام الإنقاذ وفي عام 1957 حصل على نوط الشرطة للخدمة الممتازة.
وفي التقارير التي وردت عنه خلال هذه الحركات والحروب أجمعت على أنه ضابط ركن خلوق جداً، وكريم النفس، شهم مخلص لآمره ودقيق في أعماله، وثقافته العامة جيدة جدا، وسيكون في المستقبل من ضباط الجيش القديرين
قاسم وتنظيم الضباط الوطنيين
في سنة 1956 لفت عبد الكريم إنتباه اللجنة العليا للضباط الأحرار ولقد اجتمعت في أول اجتماع لها في دار الرائد محمد سبع واتخدت قرار بمفاتحة العميد الركن عبد الكريم قاسم الذي كان آمر لواء مشاة المنصور للإنضمام للحركة بعد معرفة اتجاهه الوطني والتأكد من إنه كان محسوباً على جماعة المنصورية، فُكلف المُقدم وصفي طاهر بمفاتحته، ومن أسباب مُفاتحة عبد الكريم، أنه كان من الضباط اللامعين في الجيش، وأثبت شجاعة نادرة في جميع الحركات وخاصة حرب فلسطين، وكان ذا شخصية محبوبة مُحترمة من قبل ضباط الجيش، وكان قاسم آمراً للواء المشاة الذي يستفاد منه التنظيم في الثورة.
وفي اجتماع الجادرية (آب- 1957) والذي حضره مُعظم أعضاء اللجنة العليا وتخلف عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف عن الحضور لأن وحداتهم خارج بغداد. وطَرح في هذه الإجتماع مسألة قيادة التَنظيم حيث أُنتخب عبد الكريم قاسم لأنهُ أقدم رتبة في اللجنة العليا إلا أنهُ وبنفس الوقت تم الإتفاق على أن يكون للجميع صوت واحد في إتخاذ القرار وتعيين نائبين له.
جدير بالذِكر أن قاسم كان لديهِ تنظيم خاص به يُدعى أو يُعرف بـ «تنظيم المنصورية» او «المنصور» وكان التنظيم يرأسه عبد الكريم قاسم ويضم في عضويته كل من العقيد الركن عبد السلام عارف والعقيد طاهر يحيى والزعيم أحمد صالح العبيدي، في اللواء التاسع عشر الذي كان آمره عبد الكريم قاسم ومعسكره في جلولاء، وكان هذه التنظيم مُنفصلاً عن بغداد. وبعد أن عرفت اللجنة العليا بوجود تنظيم المنصور تدارست إمكانية توحيد التنظيمين، وقررت بعد مناقشة طويلة، مفاتحة تنظيم المنصور لتوحيد التنظيمين، ولقد تم إرسال ممثل عن اللجنة العليا للتفاوض مع عبد الكريم قاسم عن إمكانية دمج التنظيمين، وكان ذلك في كانون الثاني عام 1957، ووافق قاسم على الإندماج وعلى أنهما متفقان على أسس العمل وعلى ضرورة إزالة النظام الملكي، وعلى إثر ذلك دُعي إلى حضور الإجتماع المقبل في منزل الرائد الطيار المتقاعد محمد سبع، فحضر الإجتماع وأدى القسم أمام اللجنة العليا وبذلك تم دمج التنظيمين.
وكان القسم «أقسم بالله العظيم وبهذا الكتاب المُقدس بأن أكون مخلصاً لموضوع الثورة، وأن أحافظ على سرية التنظيم وهدفه، وأن أنفذ ما يطلب مني، وأكون ملتزماً بعدم إفشاء سر التنظيم والثورة إذا ما انسحبت من هذا التنظيم، وأن أحافظ على أعضائه»
ثورة 14 تموز

الزعيم عبد الكريم قاسم في مكتبه في وزارة الدفاع

في صبيحة يوم 14 تموز، عام 1958، قام قاسم ومؤيديه من الضباط الأحرار بتنفيذ التحركات على حسب الخطة التي أعدوها للسيطرة على بغداد وللإطاحة بالنظام الملكي، وأدى ذلك إلى مَقتل واعتقال العديد من أفراد الأسرة المالكة والمقربيين منها، بما في ذلك نوري السعيد والوصي عبد الإله.
وقد نُوقشت الخطة ووضعت من قبل الضباط الأحرار، لكن من تولى قيادتها ونفذوها بشكل رئيسي هما العقيد عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف، قبل أن تَقوم الثورة طلبت الأردن مُساعدة من العراق، خوفاً من قيام ثورة في لبنان قد تنتشر إلى الأردن، وأرسلت الحكومة العراقية لواء مكون من 3 أفواج كان من ضمنها فوج بقيادة عبد السلام عارف، عبد السلام بطريقة ما حاول خداع قائد الفرقة بإنه سيذهب إلى الأردن بعده وسيذهب إلى بغداد ثم الفلوجة، وإلى الأردن، لكنهُ خالف كلامه وذَهب إلى بغداد وسيطر على مراكزها الحيوية لإسقاط النظام، وعندما سيطر أذاع بيان الثورة وأعلن الجمهورية العراقية ونهاية النظام الملكي، وكانت ثورة 14 تموز نهاية لسلسلة من الإنتفاضات ومحاولات الإنقلاب التي بدأت من عام 1936 في محاولة لبكر صدقي عُرف بإنقلاب بكر صدقي، وثورة رشيد عالي الكيلاني، وإنتفاضة 1948، وأحتجاجات عام 1952، وعام 1956.
في 14 تموز، 1958 عند الهجوم على القصر الملكي الذي رافقه مَقاومة شرسة وأشتباكات قوية، مما نتج عن حريق في القصر فأمر الوصي عبد الإله جميع العائلة الملكية بالنزول إلى أقببة وسراديب القصر والاحتماء هناك، وعندما انضم العقيد طه البامرني آمر الحرس الملكي إلى الحركة، أصدر أوامر بناء على طلب الضباط الأحرار، إلى قوات الحرس الملكي بوجوب التسليم، فسلموا أسلحتهم وتركوها في الشارع، وخرجت العائلة الملكية وخلفها يسير الملك وعبد الإله وطلب الضباط الأحرار منهم السير عند حديقة القصر والخروج من الباب الرئيسي لنقلهم إلى وزارة الدفاع بالسيارات العسكرية، وكان المهاجمون يحيطون بهم بشكل نصف دائرة، وأثناء سيرهم في حديقة القصر دخل النقيب عبد الستار سبع العبوسي من الباب الرئيسي حاملاً غدارته فأطلق رصاصة على العائلة المالكة، فسقط الملك وعبد الإله والملكة نفسية ووالدة الأمير عبد الإله والأميرة عابدية، وجرح عدد من الضباط الأحرار، يذكر النقيب محمد علي سعيد بأن سبب ذلك كما شرحه له النقيب العبوسي بأنه «تذكر حوادث حركة مايس 1941 التحررية وما لاقاه الضباط الأحرار من إعدام وتنكيل فأراد أن لا تتكرر المأساة مرة أخرى ويعود عبد الإله ليشنق ضباط الثورة».
قد نُقلت جثث العائلة المالكة في سيارة تابعة للقصر حيث توجهت إلى وزارة الدفاع، غير أن الجماهير الثائرة اعترضت السيارة وسحبت منها جثة عبد الإله ثم علقت على بوابة وزارة الدفاع وفي نفس المكان الذي أعدم فيه العقيد صلاح الدين الصباغ عام 1945،
بعد الثورة، وإعلان جمهورية العراق، أُذيع في الإذاعة بأن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع بالوكالة، وتم إختيار العقيد عارف نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، وقد أصبحوا هم أعلى سلطة في العراق، مع كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأصبح محمد نجيب الربيعي رئيساً لمجلس السيادة (رئيس الدولة) ولكن سلطته مَحدودة للغاية.
إنجازاته

الهجوم على قصر الرحاب

يُمكن إعتبار ثورة 14 تموز نقطة تحول في السياسة العراقية، ليس فقط بسبب التحول السياسي الكبيرة مثل (إلغاء النظام الملكي، إقامة النظام الجمهوري)، ولكن أيضاً بسبب إصلاحاتها الداخلية. وعلى الرغم من العديد من العيوب التي كَانت في عهد قاسم، إلا أن قَاسم قد أنجز العديد من المَهام والمشاريع الداخلية التي أستفاد منها المُجتمع العراقي.
المنجزات السياسية الداخلية
بقيام الثورة أتيت العديد من المنجزات أو التَغييرات السياسية حيث أول إنجاز هو القضاء على النِظام الملكي وإقامة الجمهورية العراقية فأزالت بذلك الاستعمار والإقطاع والاستغلال، وألغت أغلب المَراسيم السعيدية التي صدرت إبان الحُكم المَلكي، كما أطلق سراح المعتقلين والسجناء السياسين وألغت قرارات نزع الجِنسية عن العراقيين وسعت إلى إعادة السياسيين للبلاد وإطلاق الحريات العامة والنشاطات الحزبية، واعتبرت حركة مايس 1941 حركة تحريرية وطنية، كذلك خفضت محكوميات السجناء الاكراد الذين حوكموا بسبب اشتراكهم في الانتفاضات الكردية ضد الحكم الملكي، وأصدرت دستور 1958 المؤقت الذي أعطى للكُرد حقوقهم.
في المجال الأقتصادي والأجتماعي
ألغت الثورة النظام الإقطاعي، وألغت نظام دعاوي العشائر، وصادرت أموال وأملاك الأسرة العراقية المالكة وتسجيلها باسم الدولة. ونظمت شؤون مجلس الأعمار، فألغت عقود بعض الشركات الأجنبية، ولقد نقحت المناهج الدراسية بما يلائم خط العهد الجمهوري. وقامت بإصلاحات واسعة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية، من ضمنها قانون الإصلاح الزراعي، عُرف بقانون رقم 30 لسنة 1958، ولَقد انسحب العراق من المَنطقة الإسترلينية، أيضاً أصدر العراق قانون رقم 60 لسنة 1961 الذي حُدد بموجبه مناطق الاستثمار لشركات النفط الاحتكارية العاملة في العراق وفق جدول مُلحق بالقانون انتزعت بموجبه 99.5% من الأراضي الممنوحة للشركات الأجنبية غير المُستثمرة، ولقد وَزعت الثورة الدور السَكنية على الموظفين ومن ذوي الدخل المحدود، كما تم بناء أحياء سكنية للضباط وضباط الصف في جميع محافظات القُطر، كما تم بناء المستشفيات والمدارس، وتم تسليح الجيش باتفاقية مع الإتحاد السوفيتي. وقد قامت ببناء المدارس لتعليم النشء الجديد القراءة والكِتابة، كما طورت الوضع الصَحي عن طريق بناء المُستشفيات والمستوصفات، كما قامت بربط الريف بالمدينة عن طريق فتح طرق المواصلات البرية والحديدية في أغلب مُحافظات القُطر، كما تم إيصال القوة الكهربائية والمائية إلى الأرياف والقرى، وأَصدرت قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي بموجبه ساوى المَرأة مع الرَجل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق