14 شباط اول اعدام علني لمعارض سياسي في تاريخ العراق الحديث
يوسف سلمان يوسف
يوسف سلمان يوسف كما يعرف غالباً باسمه الحركي فهد، هو أحد أول الناشطين السياسيين في العراق كما يعتبر من المؤسسين للحزب الشيوعي في العراق. أصبح بإعدامه أول سياسي يعدم في العراق.
نشأته
ولد يوسف في قرية برطلة في محافظة نينوى عام 1901 لعائلة مسيحية سريانية. وعند بلوغه السابعة انتقلت عائلته طلبا للعمل إلى البصرة وأدخل مدرسة السريان الابتدائية وبعد تخرجه منها دخل مدرسة ( الرجاء العالي ) الإمريكية. وبعد سنتين اضطر إلى ترك الدراسة بسبب الاوضاع الاقتصادية للعائلة, وفي عام 1916 اضطر للعمل في معمل صغير للثلج يعود لأخيه في الناصرية . وعاد ثانية إلى البصرة ليعمل كاتبا في ادارة توزيع الكهرباء في الميناء , وتعرف على احوال العمال وظروفهم في مشروع كبير, , ويروي شقيقه " داود سلمان يوسف" أحد قادة الأضراب الذي اعلنه عمال المسفن " الدوكيارد" في البصرة صيف 1918 في حديثه ل عزيز سباهي وكان الأثنان معتقلين في معتقل أبو غريب عام 1949 , أن فهد وكان وقتذاك شابا يافعا قام بصياغة وكتابة العريضة التي قدمها العمال لأدارة المسفن . ثم انتقل للناصرية واشتغل عاملا في معمل الثلج والطحين العائد لأخيه , وفتح مكتبة في الناصرية لبيع الكتب والصحف.
سجن الكوت عام 1948 الأول من اليمين الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم)
والثالث الشهيد زكي محمد بسيم (حازم) والثامن من اليمين سكرتير الحزب الشيوعي يوسف سلمان (فهد) مع مجموعة من السجناء الشيوعيين وأصدقائهم
انتمائة للشيوعية
مطلع العشرينيات انتمى فهد إلى اول حزب وطني شعبي أسس في العراق ( الحزب الوطني العراقي ) واصبح مساعد رئيس فرع هذا الحزب في الناصرية. فكان وهو يمزج النضال الوطني بالنضال الطبقي يحس بعدم فاعلية اساليب النضال السائدة آنذاك فأنكب على مطالعة الكتب المتوفرة مثل ( البيان الشيوعي , مالعمل , الدولة والثورة ) ومراسلة الصحف البغدادية ( الشباب 1929 ) وكان وكيلها في البصرة ويتولى توزيعها , (البلاد 1929)
( , نداء العمال 1931 ),( الأهالي 1932 ) حتى اهتدى إلى الماركسية, وكان يجيد اللغات العربية والكلدانية والأنكليزية والروسية , ومعرفته لهذه اللغات مكنته من تتبع الأحداث الدولية عبر الصحافة الأجنبية .
آمن فهد بالنظرية الماركسية فوجد فيها السلاح لمقاومة الظلم والاستغلال وتحقيق العدالة الاجتماعية . وفي غمرة كفاحه الوطني التقى بامثاله من رواد الحركة الشيوعية في العراق وأسس اولى الخلايا الشيوعية في البصرة والناصرية عام 1929 بين صفوف العمال والفلاحين وكانت اولى الخلايا الماركسية التي تربط النظرية بالعمل وتساند الحزب الوطني العراقي الذي كان يترأسه "( محمد جعفر أبو التمن) وتجد فيه المجال العلني لنشاطها .
ومن اجل تطوير معارفه عن البلدان العربية قام بجولة في عدة اقطار عربية ( الكويت . سوريا ولبنان , فلسطين وشرق الأردن ) عام 1930 ونشر مقالاته عنها في جريدة ـ البلاد ـ وكان وقتها يرغب بالسفر إلى الاتحاد السوفيتي حيث حاول الاتصال بالحزب الشيوعي الفلسطيني خلال زيارته لفلسطين لكنه لم ينجح . هذا مع العلم انه سبق وان حاول السفر إلى الاتحاد السوفيتي في عام 1929 حيث سافر إلى إيران واتصل بالقنصلية السوفيتية في شيراز من اجل السماح له بالسفر لكنه لم يتمكن لعدم حصوله على تزكية .
بعد إعلان المعاهدة العراقية ـ البريطانية الرابعة والتي تم توقيعها في 30 حزيران 1930 وعرفت بمعاهدة 1930 , تزايدت النشاطات الجماهيرية المناهضة للمعاهدة , والمطالبة بالأستقلال , مما دعى فهد للعودة إلى العراق ليكون في قلب الأحداث , حيث شارك في المؤتمر الوطني الذي تم عقده في 5 كانون الثاني 1931 , حسب ما ذكره شقيقه داود لعزيز سباهي , حيث سعى لعقده حزبا " الأخاء الوطني " و " الحزب الوطني العراقي " وقد شارك في هذا المؤتمر ممثلون عن العشائر وعدد من الشخصيات البارزة , إضافة إلى ممثلي الحزبين وشخصيات غير حزبية , واسفر عن توقيع مذكرة تطالب بتعديل المعاهدة واسقاط الوزارة وحل المجلس النيابي .
12/2/1948 الموقف العام –بغداد- من يمين الناظر الواقفون: الشهيد ساسون دلال، المحامي محمود صالح السعيد (عضو الهيأة المؤسسة لحزب التحرر)، عبد اللطيف هاشم السعدي، رشيد بكتاش، عبد الحسين .....،المحامي الشهيد توفيق منير،المحامي الشهيد كامل قزانجي، علي الشيخ محمد الشبيبي،موسى شاؤول، جاسم الجبوري. الجالسون:الياهو حبيب، هاشم الواسطي،فيصل مهدي
قاد فهد الاضراب العام في الناصرية عام 1931 والذي قتل فيه حسن عياش صديق ورفيق فهد . في مساء 13 كانون الأول عام 1932 اصدر فهد اول بيان يحمل شعار المطرقة والمنجل , ويا عمال العالم اتحدوا, ويعيش اتحاد جمهوريات عمال وفلاحي البلاد العربية , ووقعها بأسم " عامل شيوعي " وتم تعليق البيان في 18 مكانا في الناصرية . عندها ضجت الدوائر الحكومية من نشاطه فأشتكوه إلى زعيم الحزب الوطني " أبو التمن " بأن مساعد رئيس فرع الحزب في الناصرية ( هدام ) فأجابهم أبو التمن : ( بل انه بناء يحاول ان يبني مع الفلاحين والضعفاء حياة سعيدة للناس وانني اعضده بما املك من طاقة ) .
في 20 شباط 1933 اعتقل فهد في الناصرية وكان اول عراقي يدافع عن الشيوعية ويعترف بأنه شيوعي امام المحاكم حيث اعلن بكل ثبات " انا شيوعي وهذا معتقدي واطلق سراحه بتدخل من أبو التمن . كان فهد دائم الاتصال بمنظمي الحلقات الماركسية في بغداد والمدن الاخرى .ونشط كثيرا في تعريف شيوعيي بغداد وتوثيق روابطهم بشيوعيي الناصرية والبصرة والديوانية والعمارة والنجف
تائسيس الحزب والسفر إلى الاتحاد السوفيتي
أسس الحزب الشيوعي العراقي بتوحيد جميع تلك الحلقات في تنظيم مركزي , في 31 – آ ذار - 1934 وانتخب عضوا في اللجنة المركزية للحزب . في كانون الأول 1934 ارسله الحزب إلى موسكو للدراسة وهناك التقى برفيقة حياته وتزوج واثمر هذا الزواج عن بنت اسمها " سوزان " . زوجته كانت شيوعية وظلت حتى آخر حياتها تنتخب عضوة في المجلس الشعبي لمنطقتها . وابنته سوزان زارت العراق " الناصرية " مرة واحدة في السبعينات .
شارك فهد في المؤتمر السابع للكومنترن " الاحزاب الشيوعية " الذي انعقد بين تموز وآب 1935 بصفة مراقب وشارك أيضا في مؤتمر الأتحاد العالمي للنقابات العمالية الذي انعقد في موسكو عام 1935 . وانهى دراسته في مدرسة " كادحي الشرق " بتفوق حيث انهاها بسنتين بدلا من ثلاث سنوات . سافر بعدها إلى فرنسا وبلجيكا للتدريب على النضال الثوري الشيوعي بين صفوف عمال المناجم , وكان يدعى هناك بأسم " فردريك .وعند نشوب الحرب الأهلية الأسبانية ابدى رغبته في التطوع في الفيلق الأممي لأسناد الجمهورية الأسبانية لكن طلبه رفض للحاجة له في مهمة إعادة بناء الحزب في العراق .
الشهيد حسين الشيخ محمد الشبيبي (صارم)
العودة للعراق ومصاعب واجهت الحزب
في 30 كانون الثاني 1938 عاد فهد إلى العراق ,بعد غياب ثلاث سنوات بين الدراسة في موسكو ومن جولته في بعض المدن الأوربية , فوجد الحزب قد تعرض لضربة قوية من قبل السلطات الحكومية , حيث نجحت السلطات في إعتقال قادة الحزب ومعظم كوادره , وانسحاب البعض من الحزب وظن مناهضو الشيوعية , انه تم القضاء على الشيوعية في العراق , وان الحزب الشيوعي لن تقوم له قائمة في العراق و كما قال الباحث الكبير حنا بطاطو , ان الميل للشيوعية ( بدا ميلا لا مرد له , فما ان يقطع في مكان ما , حتى ينبع فجأة في مكان آخر).
وامضى فهد الأشهر الستة من عودته متنقلا في البلاد بغية التعرف بنفسه على الأوضاع الأجتماعية والسياسية ودراستها والتعرف بنفسه على وضع الحركة الوطنية , وظل يتنقل بين البصرة والناصرية وبغداد , ويلتقي بمن سلم من الشيوعيين القدامى من اعتقال الشرطة ,واستخدم خلال هذه الفترة اسم ( سعيد ) , فوجد الحزب الوليد مهشما , مبتليا بالفوضى التنظيمية , يسوده عدم الأنضباط الحزبي , فأهتم بأعادة بنائه مجددا وفق الأسس اللينينية التي تعلمها والخبرة التي اكتسبها , واستطاع ان يبني حزبا شيوعيا لايعرف المهادنة ولا المساومة.
وفي عام 1939 خرج الحزب للجماهير ثانية كمنظمة سياسية للطبقة العاملة العراقية واصدر في تشرين الأول 1939 منشورا للشعب محددا فيه مطاليب الشعب ومن بينها حقه في تأليف النقابات العمالية والأحزاب السياسية , ثم اصدر جريدة الحزب " الشرارة " في كانون الأول عام 1940.
نضاله
تشكلت لجنة مركزية للحزب في كانون الثاني 1941 من : ( يوسف سلمان , عبدالله مسعود القريني , وديع طليا , جورج يوسف , نعيم طويق , حسين طه ) وبعد مرور تسعة أشهر , في تشرين الثاني 1941 تشكلت لجنة مركزية جديدة ضمت ( يوسف سلمان , عبدالله مسعود القريني , صفاء الدين مصطفى , حسين محمد الشبيبي , وديع طليا , نعيم طويق , داود الصائغ , ذوالنون أيوب , امينة الرحال , زكي بسيم ) وانتخبت اللجنة المركزية فهد سكرتيرا عاما لها .
وفي مطلع عام 1942 كان الحزب بقيادة فهد وراء تقديم عدد من الشباب الديمقراطي طلبا لتأسيس حزب ( الوحدة الوطنية الديمقراطي ) وقد نشر برنامجه في جريدة الشرارة في شباط 1942 , ولكن الحكومة لم توافق على إجازته .
وفي الأسبوع الأول من تشرين الثاني عام 1942 سافر إلى موسكو للمشاركة في اجتماع ممثلي الاحزاب الشيوعية واثناء غيابه حصل انشقاق في الحزب واستولى المنشقون على مطبعة الحزب وجريدته . فأصدر الحزب في شباط 1943 جريدة ـ القاعدة ـ واسموها بالقاعدة تثمينا لدور قاعدة الحزب في انقاذ حزبها والمحافظة عليه وان القاعدة هي التي تشكل قلب الحزب وجوهره .
في منتصف نيسان 1943 عاد فهد للعراق , واتجه بقوة نحو تعزيز قاعدة الحزب العمالية والعناية بوجه خاص بالكادر العمالي الذي اثبت تمسكه بخط الحزب , وشن حملة على الأنتهازية من على صفحات جريدة القاعدة كاشفا عن جذرها الطبقي والعوامل التي تدفعها إلى التحرك ضد الحزب
يوسف سلمان يوسف (فهد ) في يسار الصورة مع رفيقه حسين الشبيبي (صارم )
في آذارعام 1944 عقد الحزب كونفرنسه ( المجلس الحزبي العام ) الأول في بيت العامل النقابي علي شكر الواقع في منطقة الشيخ عمر في بغداد , والذي حضره " 18 رفيقا " ويشكلون اعضاء اللجنة المركزية ومندوبي لجان الفروع واللجان الحزبية , وقدم فهد فيه التقرير السياسي الذي حلل فيه بشكل بارع الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في العراق لتلك الفترة فضلا عن الوضع العالمي وقدم كذلك " الميثاق الوطني " الذي شخص فيه الاهداف الوطنية لشعبنا والتي ما زالت تحتفظ بحيويتها حتى الآن , على سبيل المثال : 1ـ نناضل من اجل سيادتنا الوطنية ( استقلال حقيقي للبلاد) 2ـ نناضل لأيجاد حكومة تعمل لمصلحة الشعب , ونظام ديمقراطي
في آذار عام 1945 عقد المؤتمر الوطني الاول في احدى بيوت اصدقاء الحزب في منطقة الكرخ في بغداد والذي حضره " 27 رفيق " والذي تم فيه تقديم التقرير التنظيمي والنظام الداخلي للحزب وقد وضع فهد فيه كل خبرته وما درسه وتعلمه , إضافة إلى ترسيخه تقاليد وقيم ثورية متينة , جعلت الحزب قلعة حصينة مكنته من الصمود امام اقسى ما عرفه العراق من وحشية واعمال تصفية جسدية وعمقت جذوره في ضمير الشعب العراقي وانتخب المؤتمر لجنة مركزية , والتي انتخبت فهد سكرتيرا عاما للحزب والمكتب السياسي , وتركزت اعمال المؤتمر حول التنظيم , وسمي بـ " مؤتمر التنظيم " وعقد المؤتمر تحت شعار " قووا تنظيم حزبكم , قووا تنظيم الحركة الوطنية " , وكذلك ناقش المؤتمر التقرير السياسي الذي أعده فهد بعنوان " حول الوضع العالمي والداخلي "
في عام 1945 وبفضل الجهود الكبيرة التي بذلها الحزب بقيادة فهد تم تأسيس عصبة مكافحة الصهيونية التي قدمت طلبها للأجازة في 12 أيلول 1945 , وتميزت بدور هام في النشاط السياسي العراقي آنذاك واصدار جريدتها "العصبة " وكتب فهد معظم افتتاحيات جريدة العصبة .
السياب وهو يلقي قصيدة في وثبة كانون عام 1948
امام سجن بغداد ويظهر الشاعر الفريد سمعان رافعا يده
قاد فهد مباشرة اول معركة لجماهير الشعب في بغداد حيث اندلعت في 28 حزيران 1946 مظاهرة صاخبة , شارك فيها حوالي " 3000 متظاهر " دشن من خلالها المناضلون الأوائل خوض المعارك الجسورة دفاعا عن الحريات الديمقراطية في العراق واحتجاجا على الأعمال الاجرامية في فلسطين وتأييد شعب مصر من اجل الجلاء . وتصدت لها شرطة العهد الملكي بالهراوات والسلاح واستشهد فيها خمسة متظاهرين كان احدهم عضوا في الحزب هو الشهيد شاؤول طويق .
وتحت تأثير النهوض الثوري العالمي بالأنتصار على الفاشية عمت العراق موجة من النهوض الثوري , عمل الحزب بقيادة فهد على توجيهها نحو اهداف الشعب في التحرر والديمقراطية وشجع الأحزاب الوطنية على النشاط الشرعي واستثمر جميع الأمكانيات السرية والعلنية لنشر الوعي والتثقيف بأهم القضايا الوطنية
حول فهد الحزب بين 1941ـ 1947 إلى قوة سياسية متماسكة وفعالة وبنى له قاعدة جماهيرية ,واصبح حزبا يتصدر نضالات الشعب وكانت جريدة القاعدة تطبع " 3000 " نسخة , وكتب بهجت العطية مدير الأمن العام آنذاك تقريرا في نيسان 1949 اشار فيه إلى ان : ( العقائد الشيوعية انتشرت انتشارا واسعا في المدن الكبيرة , إلى درجة ان الحزب اجتذب اليه في أيامه الأخيرة ما يقرب من 50% من شباب الطبقات كافة , ووجدت الشيوعية طريقها كذلك إلى السجون التي أصبحت فترة من الزمن تمثل مؤسسات تعليمية شيوعية )
اعتقاله
وفي ليلة 18-1-1947 تم اعتقاله ورفيقه زكي بسيم الملقب بحازم وعزيز عبدالهادي , في بيت إبراهيم ناجي شميل الواقع في محلة الصالحية في منطقة الكرخ في بغداد , والذي كان على بعد رمية حجر من مقر الأقامة الخاص بوزير الداخلية وكان على موعد للأجتماع بالشخصية الوطنية سعد صالح زعيم حزب الأحرار , وكان فهد قد اضطر في تلك الأيام إلى ان يتخلى عن تشدده المعتاد في التحرك السري والتردد على بيوت عديدة , وذلك من اجل تدارك الأوضاع التي تعرضت لها الحركة الوطنية , لأن الخلافات الحادة التي نشبت بين القوى الوطنية والحاجة إلى رأب الصدع بين هذه القوى وفضح ما يبيته الحكم قد تطلبت نشاطا مكثفا من جانب الحزب الشيوعي وقائده بالذات .
اخذ فهد ورفاقه اولا إلى المقر الرئيسي لمديرية الأستخبارات في مركز بغداد , وبعد فشل سلسلة من التحقيقات , , عمدت إلى نقلهم إلى سجن أبي غريب العسكري , وكان اعتقال فهد نكبة وطنية حقيقية تركت آثارها ليس على الحزب الشيوعي العراقي فقط بل وعلى عموم الحركة الوطنية . وتمت محاكمته في آيار 1947 مع (35) من رفاقه كانت محاكمته ملحمة رائعة للدفاع عن الشيوعية وعن الشيوعيين العراقيين واستطاع فهد بدفاعه المتين عن الشيوعية والحزب الشيوعي العراقي ان يجعل الخصم في موقع الاتهام ونشرت الصحف فقرات من دفاعه , وتلقفتها الجماهير , فمثلا بيعت جريدة " الرائد "التي نشرت دفاع فهد في المحكمة بـ " 250 " فلسا في وقت كان ثمن النسخة الواحدة من الجريدة آنذاك عشرة فلوس فقط . وكان دفاع فهد ورفاقه في قاعة المحكمة دفاعا عن الحركة الوطنية وفضحا لخيانة اعداء الشعب . مما دفع الحكومة إلى تحويل المحاكمة إلى جلسات مغلقة في 24-6-1947 صدر الحكم عليه بالاعدام وبسبب حملات الاحتجاج العالمية اضطرت حكومة صالح جبر إلى ابدال حكم الاعدام بالسجن المؤبد في13-7 -1947وفي اليوم التالي نقل إلى سجن بغداد المركزي , وفي ليلة 14-15 آب 1947 نقل إلى سجن الكوت , وهناك حول فهد السجن إلى مدرسة او معهد ثقافي ثوري وكان يقود الحزب وهو في السجن من خلال الرسائل التي كانت تكتب بماء البصل .
اعدامه
بعد وثبة كانون1948. وتصاعد التوتر العالمي وفي 6-1-1949 اصبح نوري السعيد المعروف بعدائه للشيوعية رئيسا للوزراء واعلنت حالة الطوارئ والاحكام العرفية تحت ذريعة حماية مؤخرة الجيش في فلسطين واعلن نوري السعيد في البرلمان ان هدف حكومته ( ان تصفي الحساب مع الشيوعيين وتكافح الشيوعية حتى نفسها الأخير في البلاد ). واعادت حكومة نوري السعيد محاكمة الرفيق فهد ورفاقه , وحكمت عليه المحكمة بالأعدام وتم تنفيذ حكم الأعدام قبل اعلانه وذلك يوم 14 شباط 1949 حوالي الساعة الرابعة والنصف من فجر ذلك اليوم .
ولقد اشرف السفير البريطاني بنفسه على المحاكمة وعلى تنفيذ الحكم وقال : ( سوف لا تقوم قائمة للشيوعيين في العراق لعشر سنوات قادمة ( ولقد ذكر كامل الجادرجي ذلك في مذكراته. ويقول الجادرجي كذلك في مذكراته : ( كان في حينه قد اخبرني صبيح ممتاز عندما كان يشغل مدير العدلية العامة بأن جمال بابان " وزير العدلية " استدعى ثلاثة حكام ممن حكموا فهد وجماعته بالأعدام ووزع عليهم مبلغ ( 800 ) دينار من المخصصات السرية كتشجيع . وقال صبيح في حينه انه نفسه الذي وزع المبلغ المذكور بحضور جمال بابان واضاف صبيح قائلا : ان جمال تدخل تدخلا فعليا في محكمة التمييز لحمل المحكمة على تصديق الحكم ) .
اختار الحكم الملكي المقبور ساحة المتحف الوطني العراقي لتنفيذ حكم الإعدام
ونفذ حكم الإعدام برفيقي فهد الشهيدين حسين الشبيبي وزكي بسيم، الأول في باب المعظم، والثاني في الباب الشرقي
وقد كان إعدام فهد ورفاقه " عملا ظالما خارجا عن القانون العراقي الذي كان ساري المفعول آنذاك جملة وتفصيلا " كما جاء في مقال للدكتور وليد عبدالخالق إبراهيم في جريدة المؤتمر ليوم 14 أيلول 2001 , مفندا التهم التي بموجبها صدر حكم الأعدام , " فتهمة الأتصال بالأجنبي التي وجهت إلى فهد ورفاقه كان يمكن ان توجه إلى كافة اعضاء النظام الملكي آنذاك " وكذلك تهمة " التحريض على قلب الحكومة كان يمكن ان توجه إلى كافة سياسي النظام الملكي , حيث كان يحوك كل منهم الدسائس والمؤامرات للأخر " أما تهمة التظاهر واعمال الشغب والأضطرابات والتمردات فكان يمكن ان " توجه إلى اعضاء حزب الأستقلال وبقية احزاب المعارضة وكافة شيوخ العشائر " .
ولقد كانت الحكومة الملكية الرجعية واهمة بأنها عندما قامت بإعدام سكرتير الحزب وعضوي مكتبه السياسي , وإعتقال كوادره , ومصادرة اجهزته الطباعية , وانهيار من كان يتولى المسؤولية الأولى الميدانية في الحزب وتحوله إلى دليل للشرطة الجنائية , وتوجيهها بذلك ضربة شديدة وقاسية للحزب وتنظيماته , فأن الحزب سوف لن تقوم له قائمة , وان الشيوعية قد ماتت, وعاد الحزب لنشاطه بعد اقل من سنة .
لقد كان فهد اول عراقي حكم بالأعدام لأنه شيوعي . وعند نقله من سجن الكوت إلى بغداد قبل اعدامه قال لرفاقه : ايها الرفاق ( قد لا نلتقي بعد , أنتم مسؤولون عن التنظيم وصيانة جوهركم الثوري.) وعندما فتح باب الزنزانة واقتيد لتنفيذ الحكم قال لرفاقه : ( وداعا ايها الرفاق . صونوا حزبكم ). ( وداعا يا رفاقي وداعا ) وكررها ثلاث مرات . وعندما سأله الجلادون من تريد رؤيته قبل الموت ؟ طلب رفيقيه زكي بسيم وحسين محمد الشبيبي وأخيه المعتقل داود وإحدى قريباته , وارسل إلى امه رسالة شفوية مع أخيه قائلا : (انك ستذهب اليها , فبلغها : ان يوسف قد عذبك كثيرا واتعبك , الا انه لم يكن ثمة طريق آخر سوى هذا الطريق , طريق النضال الوطني في سبيل التحرر من الأستعمار وقبل اعتلائه المشنقة قال قولته الشهيرة : (الشيوعية اقوى من الموت واعلى من اعواد المشانق الشيوعية هي الحياة فكيف يمكنها ان تموت )
وبعد ثورة 14 تموز تم رد الاعتبار لفهد ورفاقه . ففي 24/2/1959 اصدرت حكومة الثورة قرارا بأعتبار الاعمال التي حكموا بسببها هي من اعمال الكفاح الوطني التي تستاهل التقدير واعتبارهم " شهداء الشعب "
زوجة فهد مع ابنتهما سوزان
عائلته
تزوج فهد من مناضلة ثورية روسية تدعى ارينا جيورجيفنا تعرف عليها عندما سافر إلى الاتحاد السوفيتي عام 1942 وانجب منها بنت اسماها سوزان تقول جيورجيفنا وهي تصف فهد : تعرفت على فهد على ان اسمه فرانك فريدريك وان صديقتها المترجمة التي رافقته إلى بيت ارينا للسكن فيه بعد وصوله موسكو قالت لها انه شاب افغاني كان يعلمها اللغة الإنكليزية وتوطدت العلاقة بينهما وتزوجا كانت الافلام الثورية والفنون الشعبية تستهويه يحادث الناس بالروسية ويداعب الاطفال كان ثوريا رومانسيا يحب الموسيقى الكلاسيكية ويحب زيارة المتاحف اخفى عني سفره وعودته على امل ان يعود ليصطحبني لكني عرفت فيما بعد انه اعدم في بلده العراق لانه رفض ان يتخلى عن مبادئه الشيوعية وقد زارت ابنة فهد (سوزان) الناصرية عام 1970.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق