كلنا شركاء فـــي قتــل كــرار - فالح حسون الدراجي
فالح حسون الدراجي
جريدة الحقيقة
أنا واثق أن هناك أكثر من قارئ سيقول في سره، أو لزميله، حين يقرأ عنوان مقالي هذا: (والله خبصونا بكرار.. أشو يوميه آلاف تنقتل محد يجيب طاريها، اشمعنه بس على كرار انخبصوا)؟!وأنا أقول له: لك الحق أيها القارئ العزيز في أن تعترض على (خبصتنه) بمقتل كرار، فنحن شعب رقمي لا تقنعه غير الأرقام الكبيرة ولا تبهره غير الأعداد الفخمة، وما كرار إلاَّ مجرد شخص واحد، (لا يروح ولا يجي)!
اتذكر أن أحدهم سأل المجرم علي حسن المجيد، بعد جريمة الأنفال التي ارتكبها النظام الصدامي ضد الشعب الكردي، عن العدد الذي قتل في الأنفال، فأجابه علي كيمياوي ببرود قاتل:
-يا أخي الإعلام الأجنبي يبالغ جداً، إنه يتحدث عن مئة الف قتيل في الأنفال، بينما عددهم في الحقيقة ما يتجاوز العشرين الف قتيل!
يا الهي، تصوروا أن عشرين الف مواطن عراقي، يقتلهم علي كيمياوي بلحظة، ولا يرف له جفن، أو يشعر بهول رقم الضحايا؟!
والسؤال: إذا لم يكن أحد يهتم، أو يعترف برقم مثل عشرين الف، فهل سيهتم هذا القارئ بمقتل شخص واحد، خصوصاً إذا كان القتيل بمواصفات كرار، التي قد يضع عليها هذا القارئ أكثر من علامة استفهام!!
والسبب؟
أننا مصابون بعقدة الفخامة، والأعداد الكبيرة، وبعدم الاعتراف بأهمية الفرد الواحد، وعدم الاهتمام بالفئة الصغيرة، لذلك تجدنا لا نحسب للصغير حساباً، ولا نعطي للفرد الواحد استحقاقاً، ولا نمنح الإنسان معناه الفردي الإنساني، لأننا نبحث دائماً عن العدد الكبير، حتى أن الشخص الواحد حين يقتل في مجتمعنا، فإن مقتله يمضي دون انتباه، فهو (واحد)، وماذا يعني؟!
وإلاَّ لماذا يستكثر البعض على كرار ذكر جريمة قتله، وهو الشاب المظلوم المقتول طعناً بالسكاكين، ولماذا يعترض البعض على شجبنا وتنديدنا بالجريمة، ألِأن كرار فتى وسيم وأنيق، وفنان يهتم بمظهره الجذاب، الذي قد يختلف فيه عن غيره من الناس؟!
ثمة من يظن أن القضية أكبر من شعر كرار، ومن الوانه الزاهية ..
وتأسيساً على هذا الظن، دعونا نقترب من جوهر الموضوع أكثر، ونقول:
لماذا ينزعج إخواننا الإسلاميون من الحديث عن جريمة قتل كرار نوشي، وكأن الحديث يعنيهم شخصياً، او كأنهم لا سمح الله من قتل كرار، بينما نحن ندرك تماماً أن من قتل كرار لا دين له ولا مذهب ولا فكر، ولا عقيدة، ولا ضمير، ولا اخلاق، وهذا يعني ضمناً أن الإسلاميين الحقيقيين أبرياء من دمه براءة تامة، مهما كانت هوية الإسلاميين المذهبية؟!
ولماذا يعترض (المدافعون عن الحكومة) على (خبصتنا) بمقتل كرار، وبما يكتب في وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي حول القضية، لاسيما الكتابات والنداءات التي تطالب المعنيين بالبحث عن الجناة وتقديمهم للعدالة؟
ولماذا يسفه البعض منهم هذا الموضوع جملة وتفصيلاً، وهم يعرفون جيداً، أن ما من أحد من النشطاء تجرأ واتهم الحكومة بالوقوف خلف هذه الجريمة أو رماها بشبهة التستر على القتلة، أو بالتساهل في البحث عن الجناة، وذلك لسبب بسيط، هو أن هذه الحكومة -مهما اختلفنا أو اتفقنا معها- هي حكومتنا الوطنية المنتخبة، التي تخوض اليوم أشرس حرب تحريرية في التاريخ، وليس من المعقول أن تتلطخ يدها بدم عراقي بريء، لا مشكلة له معها، ولا عداوة مع رئيسها، أو وزرائها.. وبنتيجة هذا التحليل، تكون الحكومة غير مقصودة حتماً بكل غمز أو لمز، أو إشارة، او ايحاء قد يظهر هنا أو هناك حول الجريمة ..
والسؤال الذي قد يدور في بال الكثير من القراء:
إذن من المسؤول عن قتل كرار ؟
والجواب: كلنا مسؤولون عن قتله!!
لأننا لم نستوعب -جميعاً -حرية فتى واحد، فتى أراد أن يعبر عن شخصيته وشبابه، وخياله، وأحلامه، وطموحه، ونظرته للحياة، وحرياته التي ضاق البعض بها، حريته التي أراد أن يعبر بها عن جنونه الجميل بطريقة مختلفة، لذلك ترانا استهجنا اختلافه، وبغضنا سراً أو علناً تعبيره، فقتلناه بغيرتنا، وبضيق أفقنا، وبحساسيتنا الفائضة، قبل أن يقتله الجناة المجرمون.
واليوم نكمل اشتراكنا في جريمة قتله، حين نعترض ونستهجن، بل ونهجم على كل من يطالب المسؤولين في الدولة بالبحث عن قاتليه، وتقديمهم للعدالة.. نعم لقد قتلناه مرة ثانية وهو في قبره!!
وما ترنيمة: (والله خبصونه بكرار) إلاَّ واحدة من أدوات قتله الثاني، لذلك يتوجب علينا اليوم أن نكتب، ونشجب، ونتظاهر، ونرفع اصواتنا عالياً، مطالبين بجعل دم كرار حداً فاصلاً، بين حرية الفرد الشخصية، وسكاكين القتلة، فدعونا نكتب بدمه دستور الحريات الفردية الجديد، وهو لعمري الأسلوب الوحيد الذي سيقبل به وجدان وضمير كرار اعتذارنا منه !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق