الأمثال الشعبية في الأغنية العراقية
الأمثال الشعبية في الأغنية العراقية
سامر المشعل
تزخر الاغنية العراقية بالكثير من الامثال الشعبية،التي وظفها الشاعر بطريقة ابداعية، لتؤدي وظيفتين اولهما اتساع رقعة المثل وسهولة تداوله بين الناس،الامر الذي يعطي حيوية لاستمرار التراث الشعبي، وثانيهما ترصين الاغنية الشعبية،بصيغ جمالية بالاغتراف من الموروث وسكبه في تلميع الاغنية، بالامثال التي لها وقع امضى في التعبير واختزال اللغة،كون المثل له مدلولاته الحسية والواقعية، وعادة ما يرتبط بقصة حياتية، نسجت من صميم الواقع، فجاءت الامثال متناغمة مع الاغنية العراقية المعروفة بعميق تعبيرها عن الشجن والمشحونة بالعواطف الجياشة والانعتاق من ربقة الالم والمحرمات والتابوات الاجتماعية والعرفية والعشائرية.. المتصفح في قاموس الاغنية يجد بيسر ومن دون عناء الكثير من الامثال في حقول الاغنية قديمها وحديثها،ومن الامثال التي استطاع الشاعر العراقي توظيفها وتوثيقها:
المثل القائل (التلدغه الحيه بيده يخاف من جرة الحبل)، والتي صاغ كلماتها الشاعر عزيز الرسام ولحنها واداها الفنان كاظم الساهر وكانت السبب في شهرته وانطلاقته نحو النجومية عام 1988 ،فجاءت هذه الاغنية متجاوبة مع الحس الشعبي وسهلة الحفظ والترديد..
ايضا وظف الشاعرعريان السيد خلف المثل القائل (هم ترجه بالصفصاف يطلع ثمر بيه) باغنية «عيني عيني»،اذ حفلت هذه الاغنية باكثر من مثل شعبي امتزج فيه السؤال بالعتب الشفاف لمخاطبة الحبيب،من خلال تضمين الشاعر للامثال بطريقة احترافية وفي الاغنية نفسها هناك مثل اخر يقول (مثل اليلم الماي يرد جفه خالي ..) والتي اداها الفنان سعدون جابر وكانت واحدة من المحطات المضيئة في تجربته الابداعية.
الامثال الشعبية لم تكن ولادة حديثة مثلما قلنا انما شغلت السابقين من شعراء الاغنية، واحتلت مساحة واسعة في خارطة الغناء العراقي القديم، واذا قلبنا صفحات الماضي، فنجد الشاعر عبد الكريم العلاف، قد وظف المثل القائل (كلبك صخر جلمود ما حن عليه)، الذي لحنه الفنان صالح الكويتي وغنته المطربة سليمة مراد،ومن المفارقات في هذه الاغنية ان كوكب الشرق ام كلثوم عندما جاءت الى العراق عام 1934 غنت هذه الاغنية، بمساعدة بعض الفنانين الذين ساعدوها في حفظها وطريقة نطق اللهجة العراقية بشكل سليم.. كذلك شاع في صوت المطربة زكية جورج المثل الشعبي القائل ( يامن تعب يامن شكه يامن على الحاضر لكه( >>
ما جعل هذا المثل يشكل حضورا متواصلاً في الذاكرة الجمعية ويرد ذكره الى يومنا هذا..ايضا وثقت الاغنية المثل القائل (انه الربيت والغيري
يصيرون) وهناك الكثير من الامثال، التي انتقلت من التداول الشفاهي ومجالس السمر الى التدوين الغنائي.
واستمر المثل الشعبي العراقي يحتفظ بقوة حضوره من جيل الى اخر،ويجنح الشاعر الى استعارته وتضمينه في طيات النص الغنائي، مثلما عمد الشاعر زامل سعيد فتاح الى تضمين المثل (المفطوم شيصبره) بقصيدة المكير، والتي حركت خيال الملحن كمال السيد ليصوغ منها ملحمة غنائية، جعلت المطرب ياس خضر ينطلق بسرعة القطار ليصل الى حدود مترامية من الشهرة. ولم يغفل الشاعر ناظم السماوي عن اهمية ووقع المثل في نفوس الناس فنجح تدميج قصيدة (عشك اخضر) بالمثل القائل (تره الدنيا بطرك عشره) والتي غناها الراحل سعدي الحلي وكانت هذه الاغنية سببا في اتساع رقعة شعبيته، وهي من الحان الفنان الراحل محمد نوشي..
ومازالت اغنية الفنان فؤاد سالم ( حجيك مطر صيف ) تدق برذاذها نوافذ الذائقة الجمالية بكل المواسم،ويترنم بها العراقيون سواء فاضت السماء بسخائها ام شحت، وهي من كلمات الشاعر ناظم السماوي. الفنان فاضل عواد لم تفته الاستعانة بالمثل الشعبي،فجاءت احدى اغانيه متخمة بالامثال الشعبية وهي اغنية ( انطيني حل ولا تخليني وسط وخلي فوك احروف قصتنا النقط..حيرتني وحرت بيك لا انت صح ولا غلط..).
ويتواصل المثل الشعبي لدى المطربين الشباب، مدركين الى قوة نفاذه في تحريك مشاعر واحاسيس المستمع،ومن ابرز الامثلة التي ذاعت شهرتها في الاغاني الجديدة هي اغنية (الملح والزاد ما غزر ولا فاد) التي اداها المطرب محمد المدلول، وبسبب شهرة هذه الاغنية وايقاعها الخفيف الراقص المستخدم فيها فقد اعاد تقديمها العديد من المطربين ومنهم المطرب رضا العبد الله والمطرب عادل المختار ايضا نجح المطرب محمود انور في تضمين المثل القائل (الماله اول ماله تالي) في اغنية ضيعتني،وكانت من الاغاني الناجحة التي تعبر عن مضمون غنائي رصين وهادف من المقطع الشعري الذي يقول : (صدك لو كالو ياروحي الماله اول ماله تالي .. ضيعتني وضاع كل عمري بصدودك.. جيت اكلك وين وشوكك وين يلغالي وعودك.. وين جلمات المحبة الهودرن بينه اليالي.. يلي اغلى الناس عندي يلربيت بفي دلالي( ...
واشتهرت المطربة البصراوية سهى عبد الامير، باغنية استهلتها بمثل شعبي هي (خلاني حبك حايره.. لا حاطه ولا طايره..)..والتقط الشاعر نعمة مطر صورة شعرية آخاذة من استعانته بمثل شعبي ليغنيها المطرب كريم منصور بصوته الشجي في المقطع الذي يقــول
(نصن بالبواجي الليل مســـموع ..
ماي وتبده شنفع الدموع (
هناك الكثير من الامثال الشعبية التي لا يتسع المقام لذكرها،لتبقى رافدا تستمد منه الاغنية العراقية اسرار بقائها وعافيتها وبالوقت ذاته تحفظ لنا الامثال من الضياع وعدم التداول.
المصدر : صحيفة الصباح
سامر المشعل
تزخر الاغنية العراقية بالكثير من الامثال الشعبية،التي وظفها الشاعر بطريقة ابداعية، لتؤدي وظيفتين اولهما اتساع رقعة المثل وسهولة تداوله بين الناس،الامر الذي يعطي حيوية لاستمرار التراث الشعبي، وثانيهما ترصين الاغنية الشعبية،بصيغ جمالية بالاغتراف من الموروث وسكبه في تلميع الاغنية، بالامثال التي لها وقع امضى في التعبير واختزال اللغة،كون المثل له مدلولاته الحسية والواقعية، وعادة ما يرتبط بقصة حياتية، نسجت من صميم الواقع، فجاءت الامثال متناغمة مع الاغنية العراقية المعروفة بعميق تعبيرها عن الشجن والمشحونة بالعواطف الجياشة والانعتاق من ربقة الالم والمحرمات والتابوات الاجتماعية والعرفية والعشائرية.. المتصفح في قاموس الاغنية يجد بيسر ومن دون عناء الكثير من الامثال في حقول الاغنية قديمها وحديثها،ومن الامثال التي استطاع الشاعر العراقي توظيفها وتوثيقها:
المثل القائل (التلدغه الحيه بيده يخاف من جرة الحبل)، والتي صاغ كلماتها الشاعر عزيز الرسام ولحنها واداها الفنان كاظم الساهر وكانت السبب في شهرته وانطلاقته نحو النجومية عام 1988 ،فجاءت هذه الاغنية متجاوبة مع الحس الشعبي وسهلة الحفظ والترديد..
ايضا وظف الشاعرعريان السيد خلف المثل القائل (هم ترجه بالصفصاف يطلع ثمر بيه) باغنية «عيني عيني»،اذ حفلت هذه الاغنية باكثر من مثل شعبي امتزج فيه السؤال بالعتب الشفاف لمخاطبة الحبيب،من خلال تضمين الشاعر للامثال بطريقة احترافية وفي الاغنية نفسها هناك مثل اخر يقول (مثل اليلم الماي يرد جفه خالي ..) والتي اداها الفنان سعدون جابر وكانت واحدة من المحطات المضيئة في تجربته الابداعية.
الامثال الشعبية لم تكن ولادة حديثة مثلما قلنا انما شغلت السابقين من شعراء الاغنية، واحتلت مساحة واسعة في خارطة الغناء العراقي القديم، واذا قلبنا صفحات الماضي، فنجد الشاعر عبد الكريم العلاف، قد وظف المثل القائل (كلبك صخر جلمود ما حن عليه)، الذي لحنه الفنان صالح الكويتي وغنته المطربة سليمة مراد،ومن المفارقات في هذه الاغنية ان كوكب الشرق ام كلثوم عندما جاءت الى العراق عام 1934 غنت هذه الاغنية، بمساعدة بعض الفنانين الذين ساعدوها في حفظها وطريقة نطق اللهجة العراقية بشكل سليم.. كذلك شاع في صوت المطربة زكية جورج المثل الشعبي القائل ( يامن تعب يامن شكه يامن على الحاضر لكه( >>
ما جعل هذا المثل يشكل حضورا متواصلاً في الذاكرة الجمعية ويرد ذكره الى يومنا هذا..ايضا وثقت الاغنية المثل القائل (انه الربيت والغيري
يصيرون) وهناك الكثير من الامثال، التي انتقلت من التداول الشفاهي ومجالس السمر الى التدوين الغنائي.
واستمر المثل الشعبي العراقي يحتفظ بقوة حضوره من جيل الى اخر،ويجنح الشاعر الى استعارته وتضمينه في طيات النص الغنائي، مثلما عمد الشاعر زامل سعيد فتاح الى تضمين المثل (المفطوم شيصبره) بقصيدة المكير، والتي حركت خيال الملحن كمال السيد ليصوغ منها ملحمة غنائية، جعلت المطرب ياس خضر ينطلق بسرعة القطار ليصل الى حدود مترامية من الشهرة. ولم يغفل الشاعر ناظم السماوي عن اهمية ووقع المثل في نفوس الناس فنجح تدميج قصيدة (عشك اخضر) بالمثل القائل (تره الدنيا بطرك عشره) والتي غناها الراحل سعدي الحلي وكانت هذه الاغنية سببا في اتساع رقعة شعبيته، وهي من الحان الفنان الراحل محمد نوشي..
ومازالت اغنية الفنان فؤاد سالم ( حجيك مطر صيف ) تدق برذاذها نوافذ الذائقة الجمالية بكل المواسم،ويترنم بها العراقيون سواء فاضت السماء بسخائها ام شحت، وهي من كلمات الشاعر ناظم السماوي. الفنان فاضل عواد لم تفته الاستعانة بالمثل الشعبي،فجاءت احدى اغانيه متخمة بالامثال الشعبية وهي اغنية ( انطيني حل ولا تخليني وسط وخلي فوك احروف قصتنا النقط..حيرتني وحرت بيك لا انت صح ولا غلط..).
ويتواصل المثل الشعبي لدى المطربين الشباب، مدركين الى قوة نفاذه في تحريك مشاعر واحاسيس المستمع،ومن ابرز الامثلة التي ذاعت شهرتها في الاغاني الجديدة هي اغنية (الملح والزاد ما غزر ولا فاد) التي اداها المطرب محمد المدلول، وبسبب شهرة هذه الاغنية وايقاعها الخفيف الراقص المستخدم فيها فقد اعاد تقديمها العديد من المطربين ومنهم المطرب رضا العبد الله والمطرب عادل المختار ايضا نجح المطرب محمود انور في تضمين المثل القائل (الماله اول ماله تالي) في اغنية ضيعتني،وكانت من الاغاني الناجحة التي تعبر عن مضمون غنائي رصين وهادف من المقطع الشعري الذي يقول : (صدك لو كالو ياروحي الماله اول ماله تالي .. ضيعتني وضاع كل عمري بصدودك.. جيت اكلك وين وشوكك وين يلغالي وعودك.. وين جلمات المحبة الهودرن بينه اليالي.. يلي اغلى الناس عندي يلربيت بفي دلالي( ...
واشتهرت المطربة البصراوية سهى عبد الامير، باغنية استهلتها بمثل شعبي هي (خلاني حبك حايره.. لا حاطه ولا طايره..)..والتقط الشاعر نعمة مطر صورة شعرية آخاذة من استعانته بمثل شعبي ليغنيها المطرب كريم منصور بصوته الشجي في المقطع الذي يقــول
(نصن بالبواجي الليل مســـموع ..
ماي وتبده شنفع الدموع (
هناك الكثير من الامثال الشعبية التي لا يتسع المقام لذكرها،لتبقى رافدا تستمد منه الاغنية العراقية اسرار بقائها وعافيتها وبالوقت ذاته تحفظ لنا الامثال من الضياع وعدم التداول.
المصدر : صحيفة الصباح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق