في الذكرى السابعة والتسعين لثورة العشرين
في الذكرى السابعة والتسعين لثورة العشرين
طريق الشعب / لفته عبد النبي الخزرجي
مقدمة:
سبعة وتسعون عاما .. وما زالت ذكراها عبقة، سبعة وتسعون عاما، وما زالت الأهازيج الحماسية تؤطر المشهد السياسي والثقافي، ما زال دوي تلك الثورة الوطنية، يشغل الأسماع، ويملأ الأذهان، ويعيد أسطورة التحدي العراقي، وستبقى "تلك الأشلاء التي تمزقت، وتلك الدماء التي هدرت" تحكي للأجيال قصة شعب حارب الدبابة بـ «المگوار" ولذلك كان المهوال يعبر عن تلك الأسطورة الشعبية التي خلدها الزمن « الطوب احسن لو مگواري".
ما زالت الأحداث طرية في أذهان أبناء القبائل العراقية في الفرات وما زالت الأهازيج الحماسية التي صاحبت الثورة، وعززتها بمعين الإصرار والتواصل، حتى النهاية، وما زالت ذكرى الرجال الذين صنعوا الثورة وابلوا فيها البلاء الحسن واجترحوا المعجزات في مواجهة السلاح البريطاني الحديث آنذاك، بسلاح بدائي، لكنهم تفوقوا وكسبوا المعارك الكثيرة وهم يهزجون :
«رد ما لك ملعب ويانه" و"ودوه يبلعنه وغص بينه" و"كسروه المغتر باطوابه" وغيرها الكثير مما يعد مأثرة عظيمة لشعب يرفض الذل والهوان .. ويواجه الرصاص والدان .. بسلاح الوطنية و الأيمان .
ولا يخفى علينا ان الهدف الرئيس لاحتلال العراق من قبل الجيش البريطاني، هو لغرض فرض الوصاية وإلحاق العراق بمجموعة الكومنولث البريطاني .. أي ان يكون العراق تحت التاج البريطاني، ونهب الثروات الكبيرة التي يختزنها العراق . .. ولذلك قال شاعر العراق الكبير معروف الرصافي :
للإنكليز مطامع ببلادكم ..... لا تنتهي إلا بأن تتبلشفوا
مؤتمر الثورة :
يقول المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه « الثورة العراقية الكبرى « أن الشرارة الأولى للثورة كانت قد انطلقت من مضيف الشيخ « عبد الكاظم آل سكر « في منطقة المشخاب، حيث حضرت وفود من أنحاء الفرات، وفيهم شخصيات لها ثقلها الديني والاجتماعي والقبائلي، وفيهم السيد محمد باقر الحلي، والذي قرأ قصيدة حماسية وألقى خطبة ألهبت الحماس وشحذت الهمم، حيث قال :
بني يعرب لا تأمنوا للعدى مكرا ........... خذوا حذركم منهم فقد اخذوا الحذرا
يريدون فيكم بالـــوعود مكيدة ............ ويبغون ان حانت بكم فرصة غدرا
فلا يخدعنكم لينهم وتـــذكروا ........... أضاليلهم في الهند والكذب في مصرا
ومن مات دون الحق والحق واضح .... ..... اذا لم ينل فخرا فقد ربح العذرا
فما كان من الشيوخ ورجال القبائل الا ان امتشقوا السيوف، وهم يهزجون «بس لا يتعلگ بامريكا" .
ثم ان المجتمعين بادروا لإرسال رسائل الى شيوخ الرميثة "الشيخ شعلان أبو الجون، والشيخ غثيث الحرجان"، وهما من ابرز شيوخ الرميثة ولهم مواقف واضحة وثابتة من الاحتلال البريطاني للعراق. وعندما وصل مندوب المؤتمر الى الرميثة، كان الشيخ شعلان قد تم تحريره من الحامية البريطانية التي احتجزته لموقفه الرافض للاحتلال، والوجود البريطاني فوق الأرض العراقية . فاستقبل الشيخ شعلان، الرسالة من مندوب مؤتمر المشخاب، وهو يهزج: "الما يتهيب مد ايده".
وربما من الصدف التاريخية ان يكون حزيران نفس الشهر الذي سيشهد نهاية داعش في الموصل خاصة والعراق بشكل عام، وهو شهر الثورة العراقية الكبرى في الثلاثين من حزيران من العام 1920 . وفي حزيران أيضا من العام 2014، كانت غزوة الدواعش التكفيريين والظلاميين، حيث عاثوا في بلادنا فسادا واغرقوا البلاد في أتون الموت والذبح والقتل والجريمة، وسبي النساء والأطفال والجرائم التي يندى لها الجبين . لكن العراقيين فاجؤوا أولئك الأوباش بموقف يذكرنا بثورة العشرين، والتلاحم بين أبناء الشعب دون النظر للهويات الفرعية، وهكذا صنع العراقيون نصرا مؤزرا على الإرهاب الداعشي .
أهازيج الثورة :
كانت الأهزوجة وما زالت تشكل تحديا تعبويا وحماسيا في المجتمع العراقي العشائري، وهي السلاح الذي رافق الثوار في مسيرتهم وهم يقودون الثورة من منطقة الى أخرى ومن موقع الى آخر، حتى ان التاريخ يذكر ان الأهزوجة هي التي ساهمت بصناعة النصر والثورة .
وفي واحدة من مهازل النظام الصدامي المقبور، ان يتقدم احد الشعراء المحسوبين على النظام المباد، فيأتي بأهزوجة تشير الى فلم المسألة الكبرى، كان ذلك في العام 1985، حيث كان يؤكد في قصيدته ان ذلك الفلم هو خلاصة ثورة العشرين، واغفل ذكر الرميثة ودورها المعروف في بداية الثورة، فنهض الشاعر المهوال « حداوي ابو عبد « وارتجل هذه الأهزوجة :
لون شعلان يدري انباگت الثورة
چا فج التراب وطلع من گبره
مهي بالسوير المسألة الكبرى
"الشاهد عدنه الشاهد .. احنه ايتام من العشرين"
وهناك أهازيج تناقلتها الألسن، واحتفظت بها الذاكرة الجمعية، ولكن لا يعرف قائلها بالضبط، فبقيت في أذهان البعض تحكي قصة شعب لا يعرف الخنوع ولا الذل والتبعية للأجنبي.
ومن تلك الاهازيج، نحاول ان ندرج البعض منها، كما وردت في مصادرها :
«يالترعد بالجو هز غيري»
«بالما يتگايش ذب روحه»
«هج ما حصلني ورد خالي»
وغيرها الكثير ..
المهوال محمد آل صيته، من الذين شاركوا بالثورة، وكان يهزج محرضا وشاحذا للهمم، وممجدا للثوار والشهداء :
تبچي العارضية اتصيح يا شعلان
وين اليعتني بريس، يصل حبشان
يگله اولاد ماصخ حرجموا للدان
اكسروا سجن الرميثة واطلعوا شعلان
«حي ميت تگرص يجنيبي»
ولم يتوقف الشاعر بل انه رافق الثوار وشاركهم في قتالهم البطولي ومواجهتهم للقوات البريطانية، وهو يلهج بالأهازيج التي تمجد البطولة وتصنع النصر :
هاي العارضية الها على الدول معتاد
كل جيش اليطبها ايصيح منها الداد
الفاله بيد ألآمر وصلت لبغداد
«ومشكولة الذمة على الفاله»
ومن الاهازيج التي ارخت لعشائر الرميثة صمودهم وبطولاتهم وثباتهم المشهود في مواجهة العنجهية البريطانية والاحتلال الاجنبي :
احنه اهل الرميثة، اهل الكرم والجود
ست اشهر وگفنه بعجة البارود
عدنه العارضية والسوير اشهود
«وبالما يتواجه رديته»
الشاعرة الرميثية "نازي حاچم" من عشيرة الظوالم , استقبلت الثوار، يتقدمهم الشيخ شعلان ابو الچون، والذين اقتحموا جسر السوير وأبادوا جنود الانكليز وحرروا الجسر، حيث امتلأت الساحة بجثث جنود الاحتلال .. فكانت تهزج مرحبة بالثوار :
شعلا ن اجاها وصحت شوباش
خله الرميثة مجضعة الشاش
العج غطاها والثرى افراش
ولا هاب لا مدفع و رشاش
واللي يخلد أمته عاش
الشاعرة "عفتوله الحجامي"، من عشائر الظوالم، وقد افزعها كثرة الشهداء وعدم توفر الأكفان لدفنهم .. فكانت تهزج وهي ترثي الشهداء الذين سقطوا وهم يحملون الوطن في ثنايا قلوبهم المترعة بحب الأرض والتاريخ والوطن :
اليوم اصبحت، والكيف خربان
ومن هامتي يظهر الدخان
على الغربوا ما عدهم اچفان
لفوا على الذرعان الاردان
واتحزموا صوبين للدان
صاروا لعد التفگ نيشان
ومن شاعرات آل فتلة العماريات، هذه الشاعرة وهي تخاطب الشيخ الزعيم عبد الواحد سكر آل فتلة .. وهو يخوض حرب المواجهة مع المحتل:
ثار التفگ واسمع اندابه
ودخانته مثل الضبابه
نخوة وين فكاك الطلابه
يا واحد ويا راعي المهابه
يماضي ولا ينشد اصوابه
يسيل الذي حدر سحابه
وهذا المهوال الذي ارتجل هذه الأهزوجة، وهو يستقبل الشيخ شعلان ابو الجون، بعد ان اقتحمت مجموعة من الثوار، الثكنة العسكرية في الرميثة، فأطلقوا الشيخ شعلان، في الحادثة التي سميت "الليرات العشر":
گلنالك يديلي بطل الدسات
ما تدري العراق اشبيه زلم آفات ؟
من راحن عصر يمشن عشر ليرات
«فكوه واتگنطر ناطوره»
تحية إكبار وإجلال لأولئك الرجال .. الأفذاذ .. والذين كانوا يخوضون حربا غير متكافئة ضد الاحتلال البريطاني للعراق، وبأسلحة بسيطة، لا تقاس بما يمتلكه الجيش الانكليزي الغازي لأرضنا، لكنهم لقنوا المحتل درسا بليغا، بالشجاعة والوطنية والتضحية وحب الأرض والوطن والحرية .
أما الشعراء الذين كانوا يستعيدون الثورة، في أهازيجهم، ويترنمون بذكراها وبطولاتها بعد سنوات، فمنهم الشاعر المهوال مسافر الظالمي :
الرميثة من بچت ودت طارش لشعلان
والمعصب لچف بريس والشيله لعد حبشان
والفضل لله واغثيث، النظم الفرسان
اجبال الدنيه اهتزت، يوم الصاحوا يا شعلان
وهذا المهوال الذي تطربه الذكرى فيستعيد القها، وكأنه يناشد التاريخ، ويدعو لإعادة قراءة الأمجاد التي سطرتها سواعد الرجال وتضحياتهم وبطولاتهم :
الأمم تتخورس وتسكت، اذا تاريخنا ايسولف
اهوايه اسباب اولها لأن تاريخنه ايشرف
قوافل للمجد شبان بدروب الشهادة انزف
الما يندل ومتيه ... عدنه الشاهد بالعشرين
وقال ايضا وهو يرسخ في أذهان الأجيال تاريخا مرصعا بشارات المجد والبطولة والتحدي :
لهذا الوطن ضحينه ونضحي اردود
وقسمنه بالعراق وعزة المعبود
اذا مو للوطن فشله اللحم للدود
احنه اضلوعك وانت الروح .. اتنومس والله اتنومس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق