الجمعة، 18 أغسطس 2017

مجزرة سجن الكوت 18 آب 1953


مجزرة سجن الكوت 18 آب 1953


مجزرة سجن الكوت آب 1953

أبتدأت احداث سجن الكوت بشكوى قدمت الى أدارة السجن في الخامس من تموز 1953، بسبب قلة الطعام وأساليب التعذيب الجسدي الوحشي التي تعرض لها بهاء الدين نوري وثلاثة من رفاقه، تلك الشكوى عدتها السلطات المختصة محاولة للاساءة الى الحكومة والتشهير بها، وبدل الاستجابة لشكوى السجناء وصلت الى سجن الكوت يوم السابع والعشرين من تموز محكمة خاصة أعضاؤها من بغداد تحمل تعليمات صارمة بمعاقبة مقدمي العريضة، عقد المجلس العرفي العسكري في غرفة مدير السجن جلسته صبيحة الثالث من آب وأصدرت أحكاماً بحق مقدمي العريضة بعد أن أستدعتهم واحداً بعد واحد بعد أن وجهت لهم تهمة قراءة الاناشيد الثورية.
بعد انتهاء المحاكمات جرى فجأة قطع الطعام والماء عن السجن. وطبيعي ان في مخزن السجن توجد بعض المواد الغذائية ولكنها لا تكفي لاكثر من يومين او ثلاثة ايام وهذا يعني الحكم على السجناء بالموت جوعا. ولكن الاشد من ذلك كان قطع الماء عن السجن في جو حزيران او تموز الحار. وهذا كان يعني الموت عطشا خلال ايام معدودة. وقبل هذا الاجراء اخلي السجن من السجناء غير السياسيين واحيط السجن بمئات الشرطة. ومنذ اليوم الاول لقطع الماء والطعام اخذ الشرطة والسجانة يلقون الحجارة من فوق السور في منتصف الليل بحيث اضطر السجناء النوم في غرف السجن في تلك الايام اللاهبة لان النوم في الساحة اصبح مستحيلا.
في فترة يومين او ثلاثة نفد ما موجود من ماء فقررت اللجنة القيادية حفر بئر في وسط ساحة السجن للحصول على الماء. ورغم ان الحفر جرى في وضح النهار وفي الساحة لم تقم الحكومة باطلاق النار على السجناء الذين تطوعوا بالحفر ونجحوا في الوصول الى الماء. كان الماء غير صالح للشرب مليئا بالاملاح مما ادى احيانا الى الاسهال لدى عدد من السجناء ولكنه انقذ السجناء من الموت عطشا.
ومع كل وسائل الترهيب , سواء كان بالرصاص والتهديد بالموت جوعاً وعطشاً, وبين الترغيب, صدرت أرادة ملكية بأطلاق سراح عدد من السجناء الشيوعيين, الا أن السجناء رفضوا الاذعان لمثل تلك السياسة، ولاسيما أن السلطات الرسمية إشترطت لأطلاق سراح السجين التخلي عن أفكاره ، وأتسعت دائرة الاغراء بالعفو عن التائبين من المبادئ الشيوعية.
لم تنفع كل تلك الوسائل، بل وصل الامر الى استخدام الرصاص ضد السجناء، يوم 18 آب، مما أدى الى استشهاد صبيح مير، وتبعثر دماغه على جدران قاعة السجن، فقد اصيب صبيح حين كان واقفا في باب غرفة السجن بطلقة في رأسه فجرت رأسه كأنها مصوبة ببندقية قناص تصويبا دقيقا. واصيب وحيد منصور بطلقة في رئته. كان وحيد بطلا في موقفه رغم شعوره بقرب موته جراء الطلقة. وقد اجري تشييع لصبيح مير في الساحة بمظاهرة وسلم وحيد الى السجن حيا. ولكنه ترك في الفسحة بين بابي السجن حتى وفاته بدون ان يأخذوه الى المستشفى لمعالجته. أستمرت الشرطة في أطلاق الرصاص على السجناء العزل. وأصدر الحزب الشيوعي العراقي بياناً وصف فيه الحادثة بأنها "مذبحة جديدة تقيمها حكومة المدفعي- السعيد المجرمة بحق السجناء السياسيين الاحرار في سجن الكوت .
نظم الحزب الشيوعي مظاهرات تندد بالحادث وتطالب بإقالة حكومة المدفعي وإلغاء الاحكام العرفية، الا أن السلطات الحكومية كانت حازمة في مهاجمة المتظاهرين وأعتقال (أثنين وعشرين) متظاهراً.
وأمام هذا الحزم الذي أبدته السلطات الامنية و معاناة السجناء وتردي أوضاعهم الصحية، فاتح السجناء إدارة السجن بإنهاء الحصار الغذائي عنهم، الا إن إدارة السجن لم تستجب لمطلبهم، وإستمر الحال حتى الثاني من أيلول1953 إذ بدأت مفاوضات أنتهت بالسماح بدخول وتفتيش السجن للبحث عن الاسلحة التي يعتقد أنها بحوزة السجناء.
كان التفتيش إستفزازياً ودقيقاً إذ أستمر بين الساعة الثالثة والنصف ظهراً حتى الخامسة الا ربعاً من صباح اليوم التالي.
وما فجّر الموقف مجدداً هو أن أدارة السجن طلبت أسماء (خمسة عشر) سجيناً يطلب نقلهم، وكانت أدارة السجن قد أحتجزت ممثل السجناء (اكرم حسين) وممثلاً آخر معه، وبعد تقديم الطلب ساد صمت رهيب، وكرر مدير السجن (هادي الجاف) طلبه، وفي الثالث عشر من أيلول أصر السجناء على مطلبهم بإعادة الوفد المفاوض اولاً، ومن جانبه أصدر مدير السجن أوامره للشرطة بأتخاذ الاجراءات ضد السجناء، فهاجموا السجناء بالهراوات والمسدسات، وأطلقت الشرطة من فوق سطح السجن النار عشوائياً بعد إطفاء الضوء، تلك المواجهة الاعنف من نوعها بين السجناء الشيوعيين العزل من السلاح و قوات الشرطة المدججة بالاسلحة النارية تمخضت عن مقتل ثمانية شيوعيين و جرح أربعة وتسعين، من مجموع (مائة وثلاث وعشرين ) سجيناً شيوعياً، كما أصيب (أثنى عشر) شرطياً و (ستة عشر) سجاناً ببعض الخدوش.
وإذا كانت مواجهات الثامن عشر من آب قد قتل فيها أثنان من السجناء الشيوعيين "صبيح مير ووحيد منصور"، فأن القتلى الشيوعيين يوم الثالث عشر من أيلول هم "أحمد علوان وجبار الزهيري ورؤوف صادق الدجيلي وعبدالنبي حمزة ويحيى عباس البارح وهادي جواد ومحسن حداد وحسن مهدي حبيب", وبمعنى آخر فأن التضحيات تضاعفت بين صفوف الشيوعيين الامر الذي يؤشر تزايد حدةّ المواجهة بين السلطة الحاكمة والشيوعيين.
وأتخذت السلطات الحكومية وراء المجزرة البشعة قراراً بنقل باقي السجناء الى سجني بعقوبة وبغداد المركزي، وقام عبد الجبار أيوب مدير سجن بغداد "بمتطلبات الضيافة من التعذيب العشوائي بحق السجناء".
أصدر الحزب الشيوعي بياناً أستنكر الحادثة، معلناً عدد القتلى في سجني بغداد والكوت مشيراً الى أن قتلى سجناء الكوت بلغ ثمانية و (50) جريحاً.لم تمر تلك الحوادث الدموية دون أن تلقي بظلالها على حكومة جميل المدفعي إذ كثرت المطالبات عدم استخدام السلاح ضد السجناء، وتوجه المفتش الاداري بوزارة الداخلية ومفتش الشرطة الى الكوت لاجراء التحقيق ورفعا تقريراً مطولاً عن الحادثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق