الاثنين، 8 أغسطس 2016

أعرف الشهداء .. للشاعر حميد قاسم

أعرفُ الشهداء، أعرفهم كلهم، وساوقظهم كلهم الليلة من الموت
1988/8/8

الشاعر حميد قاسم

هل كانت الأمةُ العربيّةُ تفكرُ بي؟
هل كان إلاهُها يفكرُ بي؟

لقد أخذوني الى الحرب صغيراً
نزلت في گراج النهضة، حيث يغادر الجنود المنتهية إجازتهم الى الموت، ويدفعون اجرة السيارة التي توصلهم الى الموت.. 
وحيث -كذلك- يشعر الجنود "المجازون" انهم غادروا حدود الموت مؤقتاً..
كانوا شباباً في العشرينات وكنتُ منهم..

لم أر بغداد منذ ٥٥ يوماً، بل لم أر مدينة، أو قرية.. 
لم أر امرأة، او اصبع امرأة.. 
كنت اشعر اني كائن غريب عن الحياة والمدينة.. والنساء
قبل ساعات كنت اختضُّ في حوض "الإيڤا"..مثل اي كلبٍ أجرب، ببدلة عرضات تنزّ دسماً، هارباً في سيارة " القصعة" من جبل "آزانات" الى "قوره تو"، من الموت الى الحياة، إلى شفتي امرأة، ايما امرأة، الى أظافر ملونة، إلى ضحكة، أو مقطع عرضي من وجه أمي، 
كنت اشهق وانا احدّقُ كالكلب من حوض الأيڤا الى ساقٍ بض لإمرأةٍ تحمل حزمة من القمح على رأسها في ريف خانقين حتى..
هل كانت الأمةُ العربيّةُ تفكرُ بي؟
نزلتُ في گراج النهضة، حيث كان يذهب ابناء جيلي مرغمين للموت في حروب القائد الضرورة، وحيث نتقاتل من اجل مقعد ندفع ثمنه، مقعد يأخذنا الى الموت، والفناء، لكن في حقيبتي الجزء الثاني من مذكرات كازنتزاكي "الطريق إلى غريكو"..
وهذا ما أنقذني ..
لا أعرف القتلى، وأعرفهم جميعا، أعرف سعيد چاسب شقيق الفتاة التي أحببتها لاحقا، باسمٍ وأب، ولقبٍ آخر، أعني حبيبتي..!
واعرف علي ياسين بدن شقيق طفولتي، وأعرف الشهداء، أعرفهم كلهم، وساوقظهم كلهم الليلة من الموت..الموت الظالم..
نزلت وكنتِ أنت طفلة الحد الظالم بين الحب والكره، الحياة والموت.. وماكنتُ أعرفكِ..
ما كنت أعرف اني نجوتُ من تلك اللحظة، لحظة أن اطبق بين الفرضة والشعيرة لأصوّب طلقةً ليست لي ، لا تمثلني، نحو قلبكِ..!
لم أطلق رصاصةً واحدة في تلك الحرب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق