د. حياة شرارة شهيدة الكلمة والرأي الحر
ولدت حياة محمد شرارة العام 1935 في النجف وكان والدها قد ترك العمامة والمشيخة والتحق في سلك التعليم الثانوي في الناصرية، ومن ثم تجول في عدة محافظات قبل أن يستقر في بغداد العام 1944 بعد حيازته على الجنسية العراقية، تحول منزله إلى صالون أدبي عامر،إذ كان يؤمه أدباء من مختلف المشارب الأدبية والسياسية, منهم: (السياب، نازك الملائكة، بلند الحيدري، الجواهري، لميعة عباس عمارة، أكرم الوتري، ناجي جواد الساعاتي، عزيز جعفر أبو التمن، كاظم السماوي، حسين مروة، حسين مردان..) وكان يدور الجدل حول التجديد الديني والتحديث واخر الموضات الثقافية وأتاح بيت العائلة لـ (حياة ) فرصة تاريخية للقاء شعراء وكتاب ومثقفين وسياسين كانوا يتوافدون على صالون والدها الادبي، العام 1948 داهمت الشرطة منزل والدها فصادرت العديد من المطبوعات وكذلك دفتر حياة شرارة الصغير الذي كانت تدون فيه جلسات الصالون الادبي، سجن الوالد لمدة شهرين مع العديد من مفكري العراق وطرد من وظيفته، بعد ثورة 14 تموز 1958، أعيد الوالد إلى سلك التعليم ولكن بعد انتكاس الثورة أرغم الوالد على مغادرة العراق فذهب إلى الصين، في العام 1969 ألتقت مجددا مع والدها
توفي العام 1979 ودفن في مقبرة وادي السلام في النجف.
انخرطت (حياة) في العمل السياسي وهي لم تبلغ الخامسة عشرة من عمرها وأصبحت نصيرة سلم، وأرسلها الحزب الشيوعي العراقي الى براغ لحضور مؤتمر السلم العالمي العام 1952، وأصبحت بعدها عضوا في رابطة المرأة العراقية، وفي اتحاد الطلبة العام
العام 1956 اضطرت بسبب مضايقات الشرطة لها إلى التوقف عن الدراسة ومغادرة العراق إلى القاهرة،إذ تابعت دراستها، العام 1961 سافرت إلى موسكو، وحصلت على شهادة الدكتوراه في الادب الروسي،
كانت رسالتها للدكتوراه بعنوان (تولستوي فنانا) فقد قامت د. حياة شرارة بدراسة وتحليل تراث تولستوي خلال فترة نشوئه الأدبي و في حياته الأولى حتى سنوات الثمانين، وتحليل أسلوبه الأدبي، كما وضحت ارتباط أدب تولستوي بالفترة التاريخية لروسيا التي عاش أحداثها ثم ننتقل الى دراسة الروافد الأدبية التي كانت مصدر إلهام الكاتب الفكري والادبي، كما أشرفت حياة شرارة على إصدار كتابي والدها (المتنبي بين البطولة والاغتراب) و(نظرات في تراثنا القومي).
عادت إلى بغداد وعينت في جامعة بغداد أستاذة في فرع اللغة الروسية، وتزوجت من الجراح العراقي محمد سميسم، مطلع السبعينيات بدأ زوجها يتعرض للملاحقات على خلفية عضويته في الحزب الشيوعي العراقي وسجن وعذب وتوفي في السجن العام 1982 . صدر مرسوم بنقلها من الجامعة إلى وزارة النفط في سامراء, ولم تنفذ القرار،أعيدت إلى الجامعة مجددا، العام 1994 طردت من سلك التعليم في جامعة بغداد وقطع عنها راتبها، فاتجهت نحو الكتابة والبحث والتأليف انصرفت إلى التأليف والترجمة.
فنشرت " تأملات في الشعر الروسي " 1981 و" غريب في المدينة " و " مسرحية المفتش العام " لجوجول و " يسينين في الربوع العربية " 1989 و " ديوان الشعر الروسي " 1983 و " مذكرات صياد " 1984 و " رودين وعش النبلاء " لإيفان تورجينيف و " مسرحيات بوشكين " 1986 و " تولستوي فنانا ". كتبت كتابا نقديا مهما عن الشاعرة العراقية نازك الملائكة بعنوان " صفحات من سيرة نازك الملائكة "، وروايتين نشِرت إحداهما بعد وفاتها بعنوان " إذا الأيام أغسقت " وهنالك رواية أخرى لها لم تنشر بعنوان " وميض برق بعيد "
تحملت الحصار السياسي من قبل السلطات في العراق ومنعت من السفر ومن نشر ما تكتب، أدى هذا كله إلى حادث مؤلم وغامض تسبب بوفاتها اختناقا بالغاز مع ابنتها الكبرى صباح في الأول من آب العام 1997، بعد سقوط النظام العام 2003، كشف عن موتها بأنه عملية تصفية سياسية، إذ نشر موقع الحزب الشيوعي العراقي خبرا عنها ينص على أن (الدكتورة حياة محمد شرارة زوجة الدكتور محمد صالح سميسم وابنتها أغتيلتا ذبحا في منزلهما في بغداد).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق